Questions? +1 (202) 335-3939 Login
Trusted News Since 1995
A service for automotive industry researchers · Monday, May 20, 2024 · 713,064,888 Articles · 3+ Million Readers

كيف تسعى إيران إلى استغلال حرب غزة للتأثير في شرق سورية المضطرب

في ظل الصراع الدائر في قطاع غزة، صعَّدت المجموعات المسلحة المتحالفة مع إيران حملة تهدف إلى دفع الولايات المتحدة إلى إنهاء وجودها العسكري في العراق وسورية. فبعد شن سلسلة من الهجمات المباشرة على القواعد الأميركية في جنوب شرق سورية، التي دفعت إلى موجة من الضربات الانتقامية، حوَّلت إيران تركيزها إلى خلخلة السيطرة الهشة أصلاً التي تفرضها قوات سورية الديمقراطية (قسد) ذات القيادة الكردية، والمتحالفة مع واشنطن، على الأراضي الواقعة شرق نهر الفرات. وبتصوير قسد على أنها جيش محتل متحالف مع قوة أجنبية في منطقة تقطنها أغلبية مكونة من القبائل العربية، تمكنت إيران من حشد مجموعات محلية لشن هجمات على القوة المدعومة من الولايات المتحدة. في حين تبدو إيران والولايات المتحدة أيضاً حريصتين على تجنب تصعيد أوسع للصراع الإقليمي، من المرجح أن يبقى الوضع في شرق سورية متقلباً، على الأقل إلى أن تتوصل إسرائيل وحماس إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة. ويمثل الضغط لإنهاء ذلك الصراع، وفي الوقت نفسه دفع قسد لبناء جسور مع المجتمعات المحلية السورية المهمشة، طرقاً تمكِّن واشنطن من المساعدة في نزع فتيل التوترات في المنطقة.

في 18 تشرين الأول/أكتوبر 2023، بعد يوم واحد من مقتل مئات الأشخاص في المستشفى الأهلي العربي في غزة في تفجير نسبته معظم وسائل الإعلام العربية إلى إسرائيل، وأنكرت إسرائيل مسؤوليتها عنه، أُطلقت مسيَّرات وصواريخ على القواعد العسكرية الأميركية وعلى التنف وعلى حقل غاز كونيكو، وجميعها تقع في شرق سورية. أعلنت المقاومة الإسلامية في العراق، وهي تحالف للتشكيلات المتحالفة مع إيران، والتي تشمل كتائب حزب الله، وحركة النجباء وكتائب سيد الشهداء مسؤوليتها عن الهجمات التي وصفتها بأنها "انتقام لغزة".

هذه المجموعات التي تشكل جزءاً من الحشد الشعبي، وهو مزيج من الميليشيات العراقية التي احتشدت في عام 2014 لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، أو داعش، ودُمجت في الأجهزة الأمنية العراقية في عام 2016، تنشط أيضاً في سورية. تعمل هذه المجموعات خارج هيكلية الدولة العراقية وبدعم من الحرس الثوري الإسلامي الإيراني، وتتمركز في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة غرب نهر الفرات، إلى جانب مجموعات أخرى متحالفة مع إيران. لمدة عام تقريباً، وحتى الهجوم الذي شُن في 18 تشرين الأول/أكتوبر، لم تكن هذه المجموعات قد استهدفت القوات الأميركية، بل التزمت بوقف أحادي لإطلاق النار كانت قد أعلنته دعماً للحكومة العراقية التي كانت قد تشكلت حديثاً برئاسة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني. كما كانت ضربات تشرين الأول/أكتوبر الطلقات الأولى من 150 هجوماً تشنها على أصول أميركية في سورية والعراق بحلول نهاية كانون الثاني/يناير 2024.

تصدت أنظمة الدفاع الجوي الموجودة في القواعد الأميركية لجميع الهجمات تقريباً، التي أدت إلى إصابات لكن لم تُسقط ضحايا بين القوات الأميركية. تأخر الرد الانتقامي، لكن في تشرين الثاني/نوفمبر وكانون الأول/ديسمبر بدأت الولايات المتحدة بضرب المجموعات المسلحة المعنية في المدن العراقية وقرب المنشآت الحكومية. أدت ضربات استهدفت مجموعات مدعومة من إيران في شرق سورية، ومقتل قائد رفيع في الحرس الثوري الإيراني في دمشق في أواخر كانون الأول/ديسمبر - والتي لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عنهما وعُزي كلا الهجومين إلى إسرائيل - إلى رفع حرارة التصعيد.

وحدث لاحقاً ما هو أسوأ للقوات الأميركية في المنطقة. إذ أدى هجوم بالمسيَّرات في 28 كانون الثاني/يناير 2024 على البرج 22، وهو قاعدة أميركية في الأردن قرب الركبان توفر الدعم للعمليات العسكرية الأميركية عبر الحدود في سورية، إلى مقتل ثلاثة جنود أميركيين وجرح أربعين. أعلنت المقاومة الإسلامية في العراق مسؤوليتها عن الهجوم. وقال مسؤولون أميركيون إن نظام الدفاع الجوي في القاعدة أخطأ في التعرف على المسيَّرات القادمة وعدَّها أجساماً أميركية عائدة من مهمة ومن ثم لم يعترضها. بالنظر إلى أن ذاك كان أول هجوم تشنه مجموعات مدعومة من إيران على القوات الأميركية في الأردن، والتي لم تتعرض منذ مدة طويلة للعنف الذي ميز المسرحين السوري والعراقي في الصراع، فإن الضربة بحد ذاتها مثلت استفزازاً واضحاً. مصادر في المجموعة تدعي أنها لم تتوقع قتل جنود أميركيين في البرج 22، بل توقعت أن تتمكن الدفاعات الجوية في القاعدة من إسقاط المسيَّرة، كما كان قد حدث عدة مرات من قبل. وبقتله جنوداً أميركيين، حتى لو لم تكن تلك هي النتيجة المتوقعة، فإن الهجوم تجاوز عتبةً على نحو يجعل رداً أميركياً قوياً حصيلة مسلماً بها. 

من الواضح أن المجموعات المسلحة المتحالفة مع إيران كانت تعي أنها كانت قد تجاوزت حدودها؛ فاندفعت فوراً إلى إخلاء قواعدها في شرق سورية وغرب العراق. ويُذكر أن إسماعيل قاآني، قائد قوة القدس النخبوية في الحرس الثوري وصل إلى بغداد خلال ساعات لإبلاغ المجموعات العراقية بضرورة خفض التصعيد، قلقاً على ما يبدو من أن الولايات المتحدة قد ترد على إيران مباشرة. في 30 كانون الثاني/يناير، أصدرت كتائب حزب الله بياناً أعلنت فيه أنها ستعلق هجماتها على القوات الأميركية. وتعهدت مجموعات أخرى، مثل حركة النجباء، بمتابعة حملتها لكنها رغم ذلك خففت حدة هجماتها على نحو كبير.

في رد أولي في 3 شباط/فبراير، هاجمت الولايات المتحدة 85 موقعاً في سورية والعراق. وتعيَّن على قادة الحرس الثوري وأفراد الميليشيات المتحالفة مع الحرس أن يخلوا مواقعهم خلال أسبوع، إذ إن كثيراً من مستودعات الذخيرة والأسلحة التي استهدفتها الولايات المتحدة كانت فارغة على ما ذُكر، لكن العدد الإجمالي للقتلى وصل إلى 51. كانت المنشآت الأربع والثلاثين في سورية تضم أفراداً من مجموعات سورية، ولبنانية، وعراقية، وأفغانية وباكستانية مرتبطة بإيران. أدت الضربات في العراق إلى مقتل 16 من أفراد الحشد من مجموعات مدعومة من إيران، إضافة إلى مدني واحد. وفي ردٍ ثانٍ في 7 شباط/فبراير، قتلت غارة بمسيَّرة أميركية قائداً كبيراً في كتائب حزب الله هو أبو باقر الساعدي. في أعقاب هذه الضربات الانتقامية، استمرت المجموعات المسلحة العراقية بمضايقة المواقع الأميركية في سورية، وإن كان بتواتر أقل، ووجهت اهتمامها إلى القواعد الواقعة قرب حقول الغاز والنفط في الشرق. في 25 شباط/فبراير، أعلنت حركة النجباء تعليقاً مؤقتاً للأعمال القتالية ضد القوات الأميركية، وتعهدت باستئناف الهجمات على الولايات المتحدة "حتى نهاية حرب غزة". بعد توقف دام ثلاثين يوماً، استأنفت المجموعات العراقية هجمات متفرقة فقط على القواعد الأميركية في شرق سورية.

شكل الهجوم على البرج 22 نقطة فارقة، حيث بدا أن إيران وحلفاءها العراقيين اختاروا تخفيف حدة ونطاق الهجمات المباشرة على القوات الأميركية بعدها لتجنب تصعيد أوسع من شأنه أن يعرض مصالحهم بعيدة المدى للخطر. رغم ذلك، استمر تدفق الأسلحة والمقاتلين على شرق سورية. ومنذ نهاية كانون الثاني/يناير، حولت المجموعات المدعومة من إيران مجال تركيزها؛ فبدلاً من استهداف القوات الأميركية فحسب، فإنها حشدت الميليشيات القبلية العربية ضد قسد كوسيلة لإضعاف سيطرة الأخيرة على السلطة المحلية وتعزيز قوتها في شرق سورية. لقد انطوت هذه الإستراتيجية على تقسيم متزايد للعمل. فتلك المجموعات المدعومة من إيران المكونة من مقاتلين من خارج سورية استهدفت القواعد الأميركية، في حين صعدت الميليشيات القبلية العربية النشطة في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة والمدعومة من الحرس الثوري والحكومة السورية هجماتها على قسد. خلال شهري شباط/فبراير وآذار/مارس، أطلقت هذه الميليشيات قذائف صاروخية على مواقع قسد على طول نهر الفرات وحاولت التسلل إلى المنطقة التي تسيطر عليها المجموعة بشكل يومي تقريباً.

لاستهداف قسد منطق إستراتيجي واضح يتمثل في المحافظة على الطبيعة المحلية للصراع، ومن ثم الحد من مخاطر التعرض إلى رد انتقامي أميركي. (بعد هجوم بالمسيَّرات شنته مجموعات عراقية قرب القاعدة الأميركية في حقل العُمر النفطي في 5 شباط/فبراير قتل سبعة من أفراد قسد، أحجمت الولايات المتحدة عن التصعيد.) تُعارض الميليشيات العربية حكم قسد التي يهيمن عليها الأكراد لأجزاء كبيرة من شرق سورية. وللميليشيات فروع تمتد عميقاً في المناطق التي تسيطر عليها قسد، حيث يقول أقارب أفرادها إنهم يعانون تحت الحكم الكردي. يسود انعدام الثقة حيال حكم قسد في أوساط المجتمعات العربية في هذه المناطق، التي تعتقد أن المجموعة تقدم معاملة سياسية واقتصادية تفضيلية للأكراد. كما يمقت العرب ممارسات التجنيد الإجباري التي تتبعها قسد، الأمر الذي يضيف إلى مصادر الاستياء التي سمحت للحكومة السورية وإيران باجتذاب هذه المجتمعات.

لاستهداف قسد منطق إستراتيجي واضح يتمثل في المحافظة على الطبيعة المحلية للصراع، ومن ثم الحد من مخاطر التعرض إلى رد انتقامي أميركي

تصف المجموعات المدعومة من إيران قسد بأنها جيش محتل متحالف مع قوة أجنبية في محاولة لتجنيد مقاتلين في أوساط المجموعات القبلية. وقد وفَّر الدعم الأميركي لإسرائيل في حرب غزة ذخيرة إضافية لحملة التجنيد التي تقوم بها. فكثير من العرب في شرق سورية حذرون من إيران بالنظر إلى أنها غير عربية، ويشكّون في أنها تضمر نوايا بتحويل السكان المحليين، ومعظمهم من المسلمين السنة، إلى المذهب الشيعي. لكن في الوقت الحاضر، فإن شعوراً مشتركاً بالغضب بشأن غزة والتضامن الإسلامي تجاوز هذه الشكوك.

لقد ركزت إيران جهودها في التجنيد على المناطق القريبة من خشام، وهي بلدة تقع إلى الشرق من دير الزور، وهي المنطقة الوحيدة الواقعة تحت سيطرة الحكومة على الضفة الشرقية لنهر الفرات. بتشكيلها لميليشيا موالية لها، يبدو أن طهران تأمل بتأمين معبر على النهر لتيسير عمليات التهريب المربحة واختراق المناطق التي تسيطر عليها قسد قرب حقل كونيكو للغاز والقاعدة الأميركية هناك. في تشرين الثاني/نوفمبر، فتحت مجموعات مدعومة من إيران مكاتب تجنيد في هذه المنطقة، حيث تقدم رواتب شهرية قدرها 1.5 مليون ليرة سورية (107 دولارات أميركية حسب سعر صرف السوق السوداء)، وهو ضعف المبلغ الذي يتلقاه مقاتلو الميليشيات المدعومة من إيران في مناطق أخرى من سورية، وأقرب إلى المليوني ليرة سورية (143 دولاراً أميركياً) التي تعطيها قسد لمجنديها. يتلقى المقاتلون القبليون التدريب في قواعد للحرس الثوري في البوكمال والميادين، ويزوَّدون بأسلحة خفيفة ومتوسطة، بما في ذلك راجمات القذائف الصاروخية ورشاشات من طراز دوشكا.

ما يضيف إلى مأزق قسد هو أن قوة إقليمية ثالثة، هي تركيا، عازمة على تدميرها، حيث تنظر إلى المجموعة بصفتها ذراعاً لحزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه تركيا، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي وبعض الدول الأخرى تنظيماً إرهابياً. لقد استهدفت تركيا بنية تحتية حيوية في المناطق التي تسيطر عليها قسد في شمال وشمال شرق سورية في ثلاث موجات منفصلة من القصف المكثف في تشرين الأول/أكتوبر، وكانون الأول/ديسمبر وكانون الثاني/يناير رداً على هجمات حزب العمال الكردستاني على الجيش التركي في شمال العراق. لقد قطع القصف المكثف المياه والكهرباء، وقلص إنتاج النفط والغاز، وهما المصدران الرئيسيان للدخل للإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية التي تهيمن عليها قسد. من المرجح أن يؤدي غزو تركي شامل يهدف إلى إلحاق الهزيمة بقسد إلى نزوح شامل للمدنيين، ولا سيما الأكراد السوريين. 

في حين تشكل موجة هجمات الميليشيات المدعومة من إيران على القواعد الأميركية منذ تشرين الأول/أكتوبر رداً على حرب إسرائيل في قطاع غزة، يبدو أنها تهدف فعلياً إلى تحقيق ثلاثة أهداف إستراتيجية مكملة بالنسبة لطهران. أولاً، ترفع الكلفة السياسية والإستراتيجية التي تدفعها واشنطن مقابل المحافظة على انتشار قواتها في العراق وسورية، والذي تبرره  رسمياً على أنه جزء من الحملة المستمرة ضد تنظيم الدولة الإسلامية؛ ومن ثم فإنها تخدم الهدف الإيراني بعيد المدى المتمثل في خفض الوجود الأميركي في كلا البلدين. تسعى إيران لتحقيق هذا الهدف بإنهاك القوات الأميركية بهدف دفع السياسيين الأميركيين إلى المطالبة بسحب القوات وأيضاً التأثير في النقاش الداخلي العراقي بشأن المسألة.

تسعى إيران لتحقيق هذا الهدف بإنهاك القوات الأميركية بهدف دفع السياسيين الأميركيين إلى المطالبة بسحب القوات وأيضاً التأثير في النقاش الداخلي العراقي بشأن المسألة

يمكن الإقرار بأن الفترة التي تلت وقوع الهجمات مباشرة أظهرت أنها أحدثت أثراً معاكساً؛ ففي منتصف كانون الثاني/يناير، أرسلت الولايات المتحدة 1,500 جندي إضافي إلى كلا البلدين، فعززت بذلك القوة المكونة من 2,500 جندي موجودون أصلاً في العراق و900 جندي موجودون في سورية. لكن بمرور الوقت، يمكن لحلقة الضربات والضربات المضادة على المسرحين العراقي والسوري أن تضعف الدعم الأميركي لنشر قوات في المستقبل، حتى مع محافظة إيران على مستوى لحملتها لا يعرضها أو يعرض حلفاءها العراقيين لردٍ انتقامي جدي. ويمكن للمناظرة السياسية في واشنطن أن تلعب دوراً أساسياً في هذا الصدد. فحتى الأضرار الإضافية المحدودة على القوات الأميركية في العراق وسورية يمكن أن تفضي إلى مزيد من التدقيق الذي يمارسه الكونغرس على السلطة القانونية المحلية ومبررات استمرار انتشار القوات، وهو سيناريو من الواضح أن البيت الأبيض يرغب بتجنبه، ولا سيما في سنة الانتخابات. خلال فترته الرئاسية، أمر دونالد ترامب، الخصم الجمهوري للرئيس جو بايدن، بسحب القوات الأميركية من سورية ثم تراجع جزئياً. وقد يسعى إلى استغلال وقوع ضحايا في سورية لمهاجمة سياسات إدارة بايدن في الشرق الأوسط، رغم احتمال مواجهة مقاومة لهذا الموقف من داخل حزبه. 

لكن تتمثل وسيلة طهران الأساسية في إجبار الولايات المتحدة على سحب قواتها في التأثير في المناظرة السياسية في العراق. لقد أحرجت الضربات الأميركية المضادة لمجموعات الحشد المتحالفة مع إيران حكومة محمد شياع السوداني، التي تقع هذه الميليشيات تحت سيطرته رسمياً، بالنظر إلى أنها تشكل جزءاً من البنية الأمنية العراقية. كما تهدد بتقويض التوازن الدقيق الذي يحاول رئيس الوزراء المحافظة عليه بتهدئة المجموعات المسلحة التي تدفع إلى تسريع رحيل الولايات المتحدة وفي الوقت نفسه العمل على تهدئة مكونات أخرى، مثل الأكراد، والعرب السنة وبعض الشيعة، الذين يخشون من وجود إيراني أكبر في حال مغادرة الولايات المتحدة فجأة.

بضغط من الأحزاب المتحالفة مع إيران، التي تعتمد حكومة السوداني عليها، تحركت الحكومة في محاولة لإنهاء تفويض التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق. تكثفت هذه الجهود بعد أن اتسعت الهجمات الانتقامية الأميركية لتتجاوز ضربات على المجموعات المسلحة الموالية لإيران وتصل إلى أهداف أقرب إلى الحكومة. ضربت المسيَّرات الأميركية مدينة الحلَّة في 26 كانون الأول/ديسمبر وبغداد في 4 كانون الثاني/يناير، فأوقعت ضحايا ليس في صفوف هذه المجموعات فحسب، بل أيضاً في قوات الحشد والشرطة الاتحادية. الحكومة، التي كانت حتى ذلك الحين قد دافعت عن الشراكة مع الولايات المتحدة، أدانتها لانتهاك السيادة العراقية وبدأت محادثات مع إدارة بايدن لإنهاء تفويض التحالف الدولي. إذا نجحت جهودها البطيئة، والتي لا يبدو أياً من الطرفين حريصاً على تسريعها، فإنها يمكن أن تقوض الأساس القانوني الدولي لوجود القوات الأميركية في سورية، بالنظر إلى أن التبرير الرئيسي الذي تقدمه الولايات المتحدة لعملياتها العسكرية هناك يتمثل في الدفاع عن العراق ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

يتمثل الهدف الإستراتيجي الثاني لإيران في توسيع وجودها في شرق سورية، والذي تستعمله بوابة إلى بلاد الشام، ولنقل الأسلحة إلى حزب الله في لبنان كوسيلة لردع إسرائيل. ويتمثل هدفها الرئيسي في هذا الصدد في انسحاب الولايات المتحدة من التنف، الواقعة على طريق رئيسي بين العراق وسورية وتمثل عقبة كبيرة في وجه فرض إيران لقوتها. بينما لا تمنع قاعدة التنف قيام إيران بتحريك الجنود والعتاد عبر سورية بحد ذاته، فإن القاعدة والمنطقة المحيطة بها بعرض 55 كم "منطقة تنسيق العمليات" تمنع دخول خصوم الولايات المتحدة وتواجه قدرة إيران على ترسيخ وجود دائم يربط مراكزها الإستراتيجية في شرق سورية مع مراكزها في جنوب البلاد.

ويتمثل الهدف الإستراتيجي الثالث لإيران بإعادة تأهيل الحكومة السورية. ولهذه الغاية، تسعى إلى زعزعة استقرار حكم قسد في شمال وشرق سورية. إن استمالة القبائل العربية، ولا سيما في المناطق التي تحتوي احتياطيات نفط وغاز رئيسية، قد يسمح لإيران ببناء قاعدة دعم يمكن أن تمكن قوات الحكومة السورية، في حال الانسحاب الأميركي، من استعادة معظم الأجزاء المهمة من شرق سورية دون قتال.

وفي الوقت نفسه، فقد كشفت آخر جولات العنف في شرق سورية محدودية ما يمكن لإيران أن تفعله هناك. فقد أبرزت غياب قوة محلية وكيلة يمكن مقارنتها بحلفائها في العراق، ولبنان واليمن. ولتعويض هذا العجز، اعتمدت على تقسيم للعمل بين المجموعات الأجنبية والمحلية لتنفيذ ما تأمرها به، لكن هذه المقاربة شهدت نجاحاً جزئياً فحسب. لقد تمكنت طهران من تحريك الميليشيات العربية السورية ضد قسد، وعملت هذه المجموعات على تقويض السيطرة والشرعية الهشتان أصلاً للإدارة التي يهيمن عليها الأكراد في منطقة غنية بالموارد ذات أغلبية عربية، بينما أنهكت قسد بمناوشات عبر نهر الفرات. لكن ما تزال هذه الميليشيات تفتقر إلى البنية التحتية، والتنظيم والعتاد؛ كما أن الافتقار إلى الرابط الأيديولوجي بين هذه الميليشيات وإيران يجعلها مرشحة غير محتملة لشراكة كاملة على غرار تلك التي تعقدها مع القوى الوكيلة لها في مناطق أخرى.

من أجل ممارسة الضغط على الولايات المتحدة، ما تزال إيران تعتمد بشكل كبير على مجموعات من خارج سورية، ولا سيما تلك التي تنتمي إلى المقاومة الإسلامية في العراق. لكن هذا الرهان حافل بالمخاطر؛ إذ إن أي تصعيد جدي في شرق سورية تشارك فيه هذه المجموعات العراقية يخاطر بردٍ انتقامي أميركي على الأراضي العراقية، في حين أن الاعتماد على قوة سورية وكيلة للقيام بهجمات على القواعد الأميركية سيحافظ على الصراع داخل الحدود السورية. يمكن لتفاقم حدة الصراع أن يكون له آثار جانبية خطيرة على شركاء إيران ومصالحها في العراق، وأيضاً تعريض الاستقرار الهش الذي حققته البلاد بصعوبة بالغة للخطر. والمثير للاهتمام أن هذا السيناريو غير مقبول لطهران بقدر ما هو غير مقبول لواشنطن.

بالنسبة للولايات المتحدة، فإن سعي إيران لتحقيق أهدافها الإستراتيجية من شأنه أن يضعف موقعها في شرق سورية. يبدو أن الرد الانتقامي على الهجوم على البرج 22 كان ناجحاً جزئياً في صد الهجمات، كما ظهر من خلال قرار المجموعات المسلحة المتحالفة مع إيران تخفيف حدة هجماتها. لكن الوضع القائم الجديد يبقى هشاً؛ فالهدوء النسبي في أعقاب الهجوم حل محله الرعب من التهديد المتمثل في صراع إقليمي أوسع في أعقاب الضربة التي شنتها إسرائيل في 1 نيسان/أبريل على القنصلية الإيرانية في دمشق، والتي دفعت إلى أول هجوم إيراني مباشر على الإطلاق على إسرائيل في 13-14 نيسان/أبريل. تحركت واشنطن لخفض التصعيد، الأمر الذي ساعد في تخفيف حدة التوترات مرة أخرى. لكن الأحداث في قطاع غزة، أو تكثُّف الهجمات الإسرائيلية على أصول إيرانية في سورية، يمكن أن يؤدي إلى نشوء جولة جديدة من التصعيد في شرق سورية. ومن المتوقع أن تستمر المجموعات المتحالفة مع إيران في مضايقة الجنود الأميركيين في سورية في كل الأحوال، وإن كان ذلك بطرق لا تعرِّض هذه المجموعات والمصالح الإيرانية لرد انتقامي عنيف.

من المتوقع أن تستمر المجموعات المتحالفة مع إيران في مضايقة الجنود الأميركيين في سورية في كل الأحوال، وإن كان ذلك بطرق لا تعرِّض هذه المجموعات والمصالح الإيرانية لرد انتقامي عنيف

وعلى نحو مماثل، من شبه المؤكد أن تستمر حملة المجموعات القبلية ضد قسد، وهي على عكس الهجمات على القوات الأميركية، لا تحمل مخاطر حدوث رد انتقامي بالنسبة لإيران، ومن ثم يمكن أن تتسارع. إن ازدياد ضعف قسد تدريجياً سيترك القواعد الأميركية في أكثر مناطق شرق سورية غنى بالموارد – حقول النفط والغاز شرق الميادين ودير الزور – في بيئة معادية على نحو متزايد، وستجد صعوبة في استمرار وجودها فيها.

ثمة أشياء يمكن أن تساعد في خفض حرارة الأحداث في المنطقة. فمن شبه المؤكد أن التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار في قطاع غزة سيساعد في إبطاء الزخم المعادي للولايات المتحدة في جميع أنحاء المنطقة، وهو الزخم الذي تستغله إيران وحلفاؤها، كما تبين في تصعيد هذه المجموعات لأعمالها القتالية خلال التوقف المؤقت للأعمال القتالية في تشرين الثاني/نوفمبر. كما يمكن لهدنة أن تحسن المناخ من أجل المفاوضات على الوجود الأميركي في العراق. لكن تُنصح واشنطن أيضاً بالالتفات إلى وضع قسد، ولا سيما في المثلث الموجود جنوب الطريق M7، الذي يربط دير الزور بشمال شرق سورية، المهم بفضل احتياطياته من النفط والغاز. ينبغي أن تضغط الولايات المتحدة على شريكتها لمعالجة مظالم السكان العرب المحليين التي جعلت بعض أفرادها عرضة للاستمالة والاستيعاب من قبل إيران. قد يتعين عليها إجراء وساطة بين العرب وقسد، كما فعلت في أيلول/سبتمبر 2023، عندما توسطت لإنهاء صدامات عنيفة تسبب فيها اعتقال قسد لزعيم قبلي. ينبغي على الولايات المتحدة وقسد أيضاً أن تنظرا بجدية إلى مستقبل المنطقة، وأن تقوما بالتخطيط لحالات الطوارئ. رغم عزم إدارة بايدن الواضح على المحافظة على الوجود العسكري الأميركي في سورية، فإن التطورات السياسية الأميركية المحلية تبقى غير قابلة للتنبؤ. يمكن لانسحاب أميركي مفاجئ وسريع أن يترك قسد معرضة على نحو خطر لهجوم تشنه تركيا و/أو الحكومة السورية، الأمر الذي يمكن أن يطلق جولة جديدة من العنف في الشرق السوري الهش.  

Powered by EIN Presswire
Distribution channels: Politics


EIN Presswire does not exercise editorial control over third-party content provided, uploaded, published, or distributed by users of EIN Presswire. We are a distributor, not a publisher, of 3rd party content. Such content may contain the views, opinions, statements, offers, and other material of the respective users, suppliers, participants, or authors.

Submit your press release